قصة شغف

رواية أمنيات اضاعها الهوى اسما السيد الفصل الرابع والخامس

الفصل الرابع:
الحياة لا تبقى على وتيرةٍ واحدة، تتقاذفنا من اليمين لليسار بلا شفقة منها . إن كنت أنت لا تعي قيمتك وقيمة ما تمتلك، فلا تلومن الزمن، ولا الحياة، ولا المواقف التي ستظهر لك حقيقتك، وحقيقة ما فرطت به بلا وعي منك. كل شيء ياعزيزي له نهاية كما البداية التي ظننتها أنت بلا أهمية فلا تلومن إلا نفسك وتوقف عن نعت الزمن، والحياة بما ليس بهم.

مازالت تنظر لصورة ابنتيها بحسرةٍ يشوبها الغضب لقد أحنت ابنتها الأولى رأسها أمام الجميع، وجعلت من سيرتها علكة ً لكل البلد. ليتها قتلتها تلك الليلة، ولم تزوجها أبدًا وأبْقتها بجانبها تتحسر علي شبابها، وتنظر لِصديقاتها بعين التمني لما يمتلكن.
وتلك الأخرى التي كبرت كارهه لها، وحينما أرادت تزويجها من ابن شقيقتها فضلت الانتحار على أن تتزوج وتُرضيها، وبسببها قضت ليلة كاملة متهمة بالإهمال والتسبب بقتلها إلى أن فاقت ابنتها، وأخبرتهم الحقيقه، وان لا ذنب لها؛ لتصبح كلتاهما مصدر خذيها وعارها، ولولا شقيقتها التي أنقذت ريم منها؛ لقتلتها وانتهت حقًا حينها.
أمسكت بصورتهم الأخرى هي وهما ووالدهم وشقيقهم، والأخرى كانت لربى وطفلها، وأخرى بزفافها وهي بيد زوجها، وعلى ذكر زوجها فكرت بذعر ماذا لو عاد ظافر باحثًا عن طفلهِ وزوجته اللعينة التي أحنت رأسها وهربت؟! ماذا لو فُضحت، وانكشف ما تخفيه عن العالم أجمع؟!
كلما رأت سعادة أهل ذلك الحقير التي عاقبت ابنتها ومنعتها من الزواج منه تتحسر أكثر تراهم سعداء، يملكون كل شيء فقدته الراحة، والمال، وكل شيء تمنته لأولادها صار من نصيبهم، وهي الخراب، والحزن دومًا ما تؤول إليه حياتها . لقد سمعت بأنه صار يملك أمواًلا لا حصر لها، ويرسل أموالًا كُثر لوالديه بعدما حدث ما حدث، واضطر والده أن يبعده عن ابنتها بعد تلك الفضيحة التي أحدثها ومعارضته لأهله حينها، وتوسله لهم من أجل الزواج من ابنتها.
ليست وحدها من كانت معترضه لكن والديه أيضًا، فاستحال عليهم مجابَهتهم، ومجابهتها هي بالأخص بل وأسرعت هيّ بتزويج ابنتها ولم ترأف بها، ولم تكترث لحرمة موت زوجها التي لم يتحمل الأمر، ورحل تاركًا غصة من هذا الأمر لم تزل، ويبدو لن تزول طيلة حياتهم.
دلف ابنها الأكبر “محُمود ” الذي ما إن رأى تلك الصور بيد والدته أسرع؛ ليقطعها اربًا بعصبية وغضب، ومن ثم قذفها؛ فتناثرت بكل مكان، وهو ينعت شقيقاته بأبشع الصفات، ويتهمها بالتقصير بتربيتهم.
ارتفع صوته فاستقامت والدته سريعًا قبل أن تستيقظ زوجته تشمت بها، وتعرف ما يخفوه عنها، مردفه بذعر:
ـ اصمت ستستيقظ زوجتك، وتسمعنا لا تتسبب بفضحنا أكثر!
اغتاظ محمود من والدته، ونهرها صارخًا:
ـ هذا كل ما يهمك أن تسمع زوجتي! ألم تهتمي بِفضيحتنا بالبلدة إن عرف أحد بأمر ابنتك المبجلة التي نهبت مال زوجها وهربت..!
ليتك تركتني اقتلهما، ولم تتركِيهما بلا تربية!
الأولى التي فضحتنا حتى تزوجت “ظافر” ومات أبي بسببها، بل وتَركتِها تعيش بمفردها بعد وفاة حموَيها؛ لتفعل ما فعلت.
والأخرى التي كادت تقتل نفسها، ولا تتزوج برجل لو عاشت عمرها كله تتمنى مثله لن تجد مثله، وبالأخير تدافع عنها شقيقتك، وكأننا من أخطأنا بحقها بل ومنعتها من زيارتنا وقاطعَتكِ بكل أَريحية، وصممت أن تكمل تعليمها كأننا المخطئون بكل شيء .
خرست تمامًا، وهي تعي صدق كلامه. ليتها لم تتركهما وخاصة ربى لأحضان شقيقتها التي كان لها الفضل الأكبر بتحرر بناتها هي ووالدهم رحمه الله. ليتها ما فعلت وتركت ربى وحدها. بالنهاية ريم بعصمة رجل حقيقي، وما تلي ذلك لا يخصهم مادامت بعيدةً عنها، ولها رجل يحكمها.
همت بالحديث لكنها آثرت الصمت ما إن رأت زوجة ابنها قادمة بِاتجاههم يعلو صفحة وجهها ابتسامه ساخره كأنها استمعت لهم، وتريد ايصال لها أنها تعلم كل شيء.
لم تستطع الإنتظار، هتفت بغضب بعدما نظرت لزوجته بحقد:
ـ تصبحون على خير.
لكن دينا زوجة ابنها لم تستطع الصمت هتفت بينما هبطت بجذعها الأعلى يقودها فضولها تلملم بقايا صور ابنتيها، وخاصة ربي وطفلها:
ـ أمي لقد نسيتِ هذه يا الله هذه ربى! لطالما سمعت عن جمالها، ولكني لم أكن أعلم أنها فاتنة هي وطفلها هكذا . إنها تفوق ريم جمالًا رغم أنهم يمتلكون لون العين ذاته العسلي الفاتح.
لم تكن دينا تكذب بحديثها الأخير لطالما استمعت عن حكاية ربى مع ابن عمها التي هزت البلدة، وعن قسم الأخير بعدم عودته لهنا بعد رفض الأهل زواجة من ابنة عمه. كانت صغيره بعمر الرابعة عشر آنذاك، وكانت تستمع لحكاوي شقيقها الأكبر عن جمال ربى، واعجابه بها بينما هي غارقة بعشق ابن عمها عمار صديقه آنذاك لكنها لم تكن رأتها من قبل، وحتى بعد زواجها انتابها الفضول؛ لتراها لكنها قد رحلت مع زوجها هكذا أخبروها هم لكنها كانت تتلصص على الأحاديث الدائرة بينهم، وبعض الإشاعات فتأكدت أن زوجها يخفي أمر هروبها من بعد موت والدة زوجها التي كتبت لها كل شيء هي وطفلها، وأنها باعتهم وهربت، ولم يعودوا يعلموا عنها شيء.
اتسعت عيناها ذُعرًا ، وسقطت قِطع الصورة من يدها ما أن استمعت لصوت زوجها الآمر:
ـ دينا هيا بنا، واتركي كيد النساء هذا على جنب.
لعنته بسرها لطالما كان بالمرصاد لها. اقتربت من حماتها، وفتحت كف يدها، ووضعت باقي الصوره بها بعدما التقت أعينهم معًا بتحدٍ، ومن ثم هرولت خلف زوجها، هتفت الأم بحقد:
ـ أيتها الحقيره الماكرة أستفق لكِ فقط، وأريكِ كيف يكون اللعب معي فقط لأفق لك؟!
ـــــــــــــــ
يجلس على تلك الأريكة بذلك القصر الذي خصصه لملذاتهِ وسهراته التي لا تخلو من النساء كعادته.
لم يتخطى الخمسون بعد! لما يتهمونه إذًا بـ العجوز الخرف خصيصًا هيَّ تلك الغزال التي نهرته، ورفضته، ولم تكترث!
اشتعلت عينيه بنار الانتقام منها كلما تذكر رفضها له. لم ترفضة إحداهن من قبل أبدًا إلا هي بل وتجرأت لِتنعته بـ العجوز الخرف، وهو من يراه لا يُميز عمره عن عمر ابنه الأكبر .
لطالما كانت النساء عبيد تحت قدمية يفعل ما يفعل بهن، وينتهي حالهن جميعًا مكان ما يريد لهن.
هو ليس فاسقًا أنه فقط عاشق للنساء الجميلات المتمردة. يعشق كسر أنفهِم، ويتمتع بِترويضهم لِيضعهم بعد ذلك كما قَدر هو لهم.
لا يهتم أن كان مرضًا ما يعاني منه أو عرضًا لكن لا امرأة ترفضة.
لقد قيده والده العزيز بزواجه المبكر من ابنة عمه المبجلة. كان، ولا زال زواج مصلحة لا يمت للود بصلة، ورغم تفاني زوجته بالبدء في جعله يلتفت لها إلا أنه لم يحبها يوم واعترف لها. جمعهم فقط حب الطبقة المخملية والمال، والسلطة، ومن ثم فسوقها وقوتها غير ذلك لم ولن يجمعهم شيء أبدًا، ولا حتى أولادهم .
لم تعد تهتم وهو كمثل في حين وقع قلبه أسيرًا للنساء جميعهن، وتأتي بالنهاية أنثى وترفضهُ، ولم تلتفت له ولا لِمغرياته كلها.
لقد سلك معها كل الطرق حتى طريق الزواج التي تعشقه الطبقة الكادحة منهن لكنها لم تلتفت أيضًا؛ لذا سيفعل المستحيل لتكن له، وتأتيه أسفل قدميه تتوسله أن يرحمها، ويرأف بها.
رفع هاتفه ينظر لصورتها التي تزين هاتفه، ولعابه يسيل كالعادة؛ ليتذوق فاكهته المحرمة قبل أن يعاقبه أحدهم باختطافها منه .
شرد بوقاحةٍ بها إلى أن اقتربت احداهن تنظر لصورتها بحقد وغضب، وهي تفكر أنها ستبتلع كل تلك الأمور بأكملها منه حتى تنتقم منها، وتراها ذليله أمامها شبيهةً بها، وهتفت:
_ لتلك الدرجة تعجبك ؟!
خرج حديثها باستنكار قبل أن يلتفت “فريد الزيني” ناظرًا لها بحده:
_ أنا لا أُرفض يا حلوة أنتِ تعلمين ذلك جيدًا، وتلك المرأه ستأتيني راكعة ذليلة، وبعدها سأرِيها من هو “فريد الزيني”، وما هو بقادر أن يفعله ليصل لها، وتأتيه طواعية.
انتشت فرحة وهي تراها مكانها تتفنن لإرضاء رغباتة المريضة. لما عليها وحدها أن تقع فريسة لامثالة لتكن هي مثلها .
انتبهت لحديثه:
_ الآن دعكِ من حديثك هذا، وأخبريني بالجديد معك فأنت تعرفين على كل حال ما أريده تمامًا منكِ، كيف تسير الخطة معك؟
ابتلعت ريقها بخوف منه، ومن غدره التي تعرفه لو قلب عليها ستخسر الكثير، وهذا ما لا تريده.
عدلت من نبرتها بينما تميل؛ لتلتصق به بعهر مقزز كما يعشق هو:
_ فعلت كما أمرت لقد بلعت الطعم، واقتنعت بكل ما قيل لها هي، وإعدادها والمالكي أيضًا، والآن الصناره تنتظر أن نرفعها، وتبتسم .
ابتسم معجب بتشبيهاتِها التي لا مثيل لها حقًا بينما شرد عقلهِ بسَمكته العنيدة التي يئس من اصطيادها بطرقه المشروعة التي يعرفها ؛ لِيتفنن بأخرى يغامر فيها بسمعة صناعاتهم، يدعو فقط أن لا ينتبة أحد لخطتة من العائلة وخاصةً أبيه وابنه عقبة حياته كلها. هو سيفعل المستحيل من أجل كسر أنفها؛ لتخضع له على كل حال.
لمعت عيناه بالحقد حينما تذكر آخر لقاء بينهم قبل شهرًا كاملًا حينما بصقت عليه، وتركته مشمئزه منه ناعتة إياه بـ العجوز الخرف حينما عرض عليها المال مقابل ليلة واحدة؛ لِيتوالى حصارهِ لها بكل جرأة مغريًا إياها بالمال والشهرة التي تريدها لكنها لم تلتفت لشيء أبدًا حتى عرضة الزواج الشرعي كي تقتنع رفضتهُ. لقد فعل المستحيل من أجلها لكن رأسها كصخرٍ متحجرٍ لا يلين أبدًا.
_ ما بك يا باشا أين سرحت ؟!
انتبه علي لمستها الجريئه التي أدخلته في عالم الملذات الذي يهواه، ويهوى قذارته بينما عقله يفكر كيف يتفنن بِإذلالها حينما تأتيه، ويثأر لِنفسه حتى أنه بدأ يمارس عنفه وقذارته على تلك التي بين يديه يناديها ويبصق عليها كما فعلت معه. يتخيلها تمامًا وكأنها هي بل وصل الأمر لِيناديها بإسمها. صفعها بقوة مرددًا:
” قبلي قدم سيدك الآن يا ربى ”
لِتتوالي صفعاتِه حتى صرخت الأخيرة:
_ “لست ربى أنا مني يا باشا..مني..ارحمني”
***********( أمنيات أضاعها الهوى)

الفصل الخامس:
الكثير ينساق خلف أهوائه التي لا تنتهي، ويلهث وراء رغباته التي قد تعود بالنهاية علية بكارثةٍ، والبعض الآخر يندفع وراء أمنية مستحيلة؛ ليخسر في سبيل تحقيقها ما يملكة، وآخر يجري خلف حلمٍ لا يمت للواقع بصلةٍ. كلنا واقعون بشركٍ صغير قد لا نراه طوال عمرنا. جميعنا نجري خلف وهمٍ صنعناه بمخيلتنا حتى نبرر ما ستَقترفهُ فيما بعد كفوفنا.
وهي رفعتها حنجرتها لمكانةٍ عالية حتى أصبحت قدوة للكثير، وإن لم تكن تَنتبة. وهذا يضعها بمكانة مسؤول عن كل ما تتلفظ به، عليها أن تكون قدوة صالحة. كانت رؤيتها مطلب الجميع من متابعيها لكنها كانت كفاكهةٍ محرمة. وهي بطبيعتها لا تهتم للظهور بوجهها.كانت تريد فقط أن تفعل الخير وتزيح الظلم عن أحدهم ولو بأبسط الطرق. أرادت أن تكون مؤثرة لكن بطريقة مميزة .
كانت تنشد الراحة بعد بث حلقتها الاستثنائية كما أعلنت عنها قبل أسبوع.
حلقتها نالت استحسان العديد من متابعيها، واحتلت بها المرتبة الأولى على محركات البحث الالكترونية، ووصل اعلان الحلقة إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين مشاهدة على قناتها باليوتيوب، وقناة البرنامج الخاصة .
الفخر تملك منها بعدما وصل صدى حلقاتها للمسؤولين التي توالت اتِصالاتهم على هاتف البرنامج، ووعود كثيرة برفع الظلم عن المرأة وأبنائها إن ثبت صدق ما ادعت، وعود بالبحث وراء تلك المعلومات التي أعلنت عنها بالحلقة.
يبدو أن كثيرًا من الأعداء كانوا يتربصون لتلك الشركة وأصحابها، ولذلك وجدت حلقتها الإنتشار الواسع حتى تصبح هي واسمها الرائجة على محركات البحث. لقد أخبرها رامي مخرج البرنامج أن تلك العائلة هي الرائدة في تلك الصناعة، ويعانون من مرض التكبر والغرور جميعًا حتى أنه حذرها من معاداتها، وما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك. استمعت إليه وكأنها لم تكن تعلم من هما!
هي خير من يعلم حيث وقعت بفخ حقير منهما لذا ما أن علمت أنه منهم آثرت أن تكمل طريقها علها تخلص منه للأبد.
لم تحسب حساب له ولم تخف، ولم تقلب أحد معها يكفيها أن تكون على حق.
كان الجميع متوجس لكنها بأسلوبها، وتلك المعلومات التي بيدها استطاعت إقناعهم؛ لذا لم يجد رامي إلا أن يؤازرها فنجَاحهم هو ما يريده حقًا خصيصًا بعد دعم عادل المالكي مالك القناة لهم. بالنهاية هو لا يريد إلا أن يعلو من شأن عملة لكن بقى الخوف عليها بقلبه لم ينتهي وخصيصًا بعد معاداة تلك العائلة.
هي لم تهتم بالشهرة ولا انتقامها قدر رفع الظلم عن تلك المرأة التي لجأت إليها هي خصيصًا عن سائر البشر باكيةً راجيةً.
تقسم أنها لا تهتم إلا بأخذ حق تلك السيدة هي وأبنائها.
لا أحد يعلم كم سعادتها بكشف ستار حقائق ظن أصحابها أنها اندثرت ولن تطفو للسطح أبدًا!
يقولون أن من يعاني من ويلات الظلم وحده هو القادر على إزاحته عمن يتجرعه ولو فقط بكلمة، وهي عاهدت نفسها على مناصرة الصدق، ورد الحقوق لأصحابها هكذا تربت علي يد والدها رحمه الله، وهكذا أرادت أن تدافع عن الحق، وتحارب من هم ليسوا من انصارهِ ومن أجل المظلومين مثلها .
ظلت طوال عامين منذ اعتلت تلك المنصة وهي ثابتة على مبادئها، ومعتقداتها ، وعلي رفع شعار “لا للظلم” ولو ستفنى من أجلة حياتها في الدفاع عنه لذا كانت دومًا مواضيعها شائكة تمكنت من خلالها اعتلاء المنصة كلما صدقت في مسعاها مع من يلجأ لها.
من وجهةِ نظرها السعادة الحقيقية تُولد من إسعاد الغير، ومن دعوة صادقة بعد مد يد العون لهم.
لقد خلقنا الله أحرارًا نتعاون، ونتشارك الخير قبل الشر لا نتعارك ونظلم ، ونسمم حياة بعضنا البعض .
بالسلام حلمت، و أرادت العيش دومًا كما مدينةٍ فاضلة.
هي موقنة بأن السعادة فقط هنا، وهي تمارس هوايتها المفضلة بحنجرتها المميزة التي طالما حسدها الجميع عليها وابهرت كل من استمع لها.
كم تعشق العمل من خلف تلك الواجهة الزجاجية وعلى أذنيها تسترح تلك السماعات التي دونت عليها اسمها. تنقلها معها من مكان لمكان لتبث به حلقاتها. كم تعتز بتلك السماعات الخاصة بها، والتي تعتبرها وجه الخير عليها.
ما أن تضعها على أذنيها حتى تسبح منفصلة بعالم آخر لا يوجد به غيرها هيّ وادواتها، وأخبارها الحصرية التي تنتقيها بعناية من مصادرها المتعددة .

هي “ربي راشد” مذيعة الراديو الأشهر على الإطلاق بالشرق الأوسط تعمل بإحدى محطات الراديو المصنفة الأولى في بث الأخبار وحصرية الحدث ، ومن عندها تخرج اللقطة الأولى دائمًا.
ما هي عليه الآن كان دومًا وجهتها الوحيدة، وحلمها التي عانت من أجله الأَمرين، وواجهت في سبيل تحقيقه ظروف الحياة القاسية بأكملها.
لا أحد يعلم كم العذاب، والصعوبات التي واجهتها حتى وصلت لهنا، وأصبحت من أشهر الإذاعيين بالشرق الأوسط.
انتهت الحلقة ببثها لذلك الخبر التي تعمل على التحري عن صدقة منذ قرابة شهرين، وترددت كثيرًا في بثه لئلا تتأكد من مصدره. كان خبر عن إحدي الشركات الرائدة في صناعة الأدوية في الشرق الأوسط، وعن ما يدور خلف كواليس صناعة الأدوية.
كانت تتوقع أن ما بثته عنهم كفيل بأن يجعل منها الترند الأول في محركات البحث كما اعتادت منذ عامين وبالفعل حدث .
عداوة جديدة بدأت بها، وقد تعود عليها بخسارةٍ فادحة كما يخبروها لكن حق ذلك الرجل المسكين الذي راح ضحية تجاربهم السريرية عليه يستحق.
ذلك الرجل الذي فقد حياته نتيجة تجربتهم علية إحدى العقاقير من أجل حفنة أموال لا تذكر اقنعوه بها.
يجب أن يعود حقه لِأطفاله الأبرياء فهم يستحقون التعويض.
فإن حقا ثبت المنتج عدم صلاحيته للاستخدام الآدمي فلما طرحوه في السوق ومازال متوفر بهم.
وإن كان غير ذلك عليهم أيضًا إثبات الأمر.
اللعنه علي موتي الضمير فكم روح زهقت الآن؟!
لقد حذرها الجميع من سطوة صاحب الصرح العظيم التي لم تهتم حتى أن تعرف عنه شيء يكفيها ما عرفته، وما تعرفة عن ذلك الذي يلاحقها مؤكد باقي العائلة مثلة؛ فماذا سينجل الذئب مثلًا؟! كل ما يهمها هو أن يصل صوت زوجة الرجل التي لجأت إليها للمسؤولين، ورفع ذلك السم من الاسواق، وكل ما ستؤول إليه ِ الأمور بعد ذلك لن تلتفت له.
هي اعتادت الكوارث والصدمات، والله خير حافظ لها بكل وقت وحين.
عدلت من وضع حجابها، وتأكدت من أناقة هيئتها . حجابها التي مازالت تتمسك به في ظل فتن كثيره في مجالها تعصف بها، ولكنها ما يريحها أنها على ثقة برب العالمين، وأنها ذات نفسٍ قنوعةٍ ليست من هواة الظهور ولا محبي الشاشة الصغيرة، ولا الكبيرة حتى أنها للان مازالت تحتفظ بحق الظهور بوجهها لها لنفسها؛ لذا كانت وجهتها وحلمها الأوحد هو إذاعة الراديو، وما يقدمونه على شاشة التليفزيون، ومنصات التواصل بوجوههم تفعل هي اضعافه من وراء الزجاج بالاذاعة، ومن وراء شاشة هاتفها.
دق هاتفها فحملته، وما أن أجابت علية أتاها صوت طفلها “عز الدين” ذو الثماني سنوات الذي يتابع برنامجها بشغف:
_ أمي لقد كنتِ رائعه حقًا أنا فخور بك جدًا.
همت أن تجيب عليه بذات السعادة التي حدثها بها إلا أن صوت آخر قاطعها، وهو يشتكي لها من أفعال “عز الدين” ‘ ولم يكن إلا ” عمر” ابن هبة صديقتها يشتكي منعه له من محادثتها أولا، وها قد بدأ شجارهم اليومي على من يحدثها أولًا.
انغمست بفض الشجار بينهم، وهي في حالةٍ من الرضا والسعادة؛ لوجودهم بحياتها.
تحمد الله دومًا على ما وصلت اليه، وأن دعوات والدها الراحل مازالت ملازمة لها بالراحة ، وتيسير أمور حياتها .
الآن فقط علمت معنى أن تثُمر تضحياتك، ويصبح مُر الماضي حلواه الوحيدة ، والحلوى التي حصدتها من جراح الماضي ومرارته كانت طفلها، ومن حولها الآن من داعمين.
تلك المغامرة الكبرى التي غامَرتها من أجله وأجل نفسها كانت تستحق فعلًا. لقد تحسنت حالتها النفسيه وحالتهم، صدقًا النجاح قوة، والسعي في سبيله، وإن كان مُتعبًا هو راحة لا يمكن وصفها .
ابتسمت براحة عجيبة غافلة عن كل ما قد يحدث لها. افترضت الخير ، واسرعت بقدميها لترحل.
اقترب أحد العمال ناحيتها يهنئها، وانغمست بالحديث معه
غافلة عن تلك التي انتهى أمر سيدها منها وجلست تلملم شظايا كرامتها وشرفها المبعثر أرضًا وهي تتمتم بغل :
(لن تهنئِ ربى بذاك النصر إفرحي الآن، ولنري ربى)
ابتسمت بسخريه قبل أن تمتد يد فريد الزيني؛ لتمسك بشعرها مردفًا بنصرٍ:( لقد نجحت أولى مخططاتنا هنيئا لك قريبًا ستحِلين محلها قريبًا أعدك )
لمعت عيناها بالتمني، وعادت مرغمة تنفذ طلباته المقززة على أمل أن يثأر ممن فضلها عادل المالكي عليها؛ لتعتلي منصة هذا البرنامج تحديدًا، والذي كان حلم الكثير مثلها.
********
بعد ساعة من عرض الحلقة التي أعدوا لها جميعًا، وكانوا متأكدين من نجاحها، وقد حدث بالفعل.
جلس عادل المالكي، وقد تبدلت حَالته من السعادة للصدمة من الهجوم المضاد الذي حدث بعد الحلقه.
الصدمة وما يحدث الجمة بل الأصح اصابة بمقتل ما ان استوعب ما حدث الآن من هجوم غير متوقع بعد الحلقه، ومن تحول شريكه من داعم للحلقه ومحتواها الذي نوهت عنه لأخر يتهمه بالتقصير، وكأنه لم يكن على علم مسبق بما سيعْرضونه لقد حرص طيلة أعوام أن يكونوا منظومة واحدة الجميع يتشارك بنجاحها.
إذًا هل وقع بفخ “عصام السكري” شريكة بالأخير؟
لمَا يشعر وكأن هناك لغزًا عليه حله، وأنه واعدادة وقع بفخ.
لعن بداخله غبائه الذي جعله يثق بعصام السكري الذي لطالما علم عنه الغدر والقذارة لكن مع ابتعاده عن الوسط وسفره ظن أنه ربما تغير لذا عند بداية إنشاء المحطة، وطَلب شريك معه، واقترح السكري عليه أن يشاركه وافق على الرحب والسعة.
لم يتوقع منه صدقًا ذلك أبدًا لكنه ليس بأقل منه ذكاء؛ ليعلم أن وراء مسعاه شيء آخر ربما ليقنعه ويضغط عليه ليبيع نصيبه بالمحطة له لكنه لم يتوقع أن يكون شريكًا بتلك الكارثة.
زفر بغمٍ، وعاد ليفكر أنه علي يبدو قد يأس من إقناعه بالحسنى فاختار نهجًا آخر يؤثر عليه من خلالة لكن سيرى من هو أكثر ذكاء من الآخر فقط لتنتهي هذه المسألة، ويخرجون منها بلا خسائر، وإن كان عليهِ حقًا التنازل عن نصيبه، وترك المحطة سَيعطيها لمن يقدرها.
زفر بحنق، وقد تذكر ربى ومشاكلها التي بالكاد ظنوا أنها انتهت لتأتيها مشكلة أخرى صدقًا يشفق عليها ليته لم يوافقها، وظل بعيدًا عن السياسة ومشاكلها.
لقد حذرها من قبل البدء أنه سيعرض الحلقة التي هي متحمسة لها أكثر منه لكن عليها أن تقف على قاعدةٍ ثابتة قبل نسج اتهاماتها. عليها أن تتحرى الدقة .
الآن قد تنتهي حياة إذاعته إن أثبتوا كذب ما ادعت، ويبدو من سحب الدعم هذا أن هذا ما سيحدث بالفعل حتى لو بالكذب. إن لم يسرع بالتصرف، ويجد حلًا سريعًا ليعزز موقفه أو لِينسحبو.
*****
الطرق قد تتشابة إلا طريقته هو بأخذ الحق. لا يهين امرأة ولا يتحامل علي طفل، وهذا ما حرص علية وهو يحل بالماضي تلك الأزمة التي عادت لتطفو للسطح من جديد . لا ينكر خطأ والدة وابن عمه الفادح في جعل إنسان فأر تجارب لكن بالنهاية الرجل انتهى عمره وانتهى الأمر . لو يستطيع إعادة الماضي لأَعادة بلا تردد وانقذ الرجل من براثنهم لكن الماضي لا يعود كأيامنا جميعًا لا تعود. ما يمضي من العمر لا يعود، ولو بكينا أبد الدهر ندمًا للرب.
شَقت هنا روتيني بحت مجددًا. هتف منذر مساعدة الخاص، وصديق عمرة ، ومدير مكتبه، وشريكه بالخير والشر، وهو يجاورة يقود عنه سيارته :
_ إلى أين يا بيجاد؟
نظر له بيجاد بصمت قليلًا قبل أن يهتف:
_ إلى منزل أم سلوان زوجة الرجل اياة.
_ متأكد! لقد أخبرتك أنها لا أثر لها.
_ جدًا..انت تعلم اني لن أرتاح إلا بالاطمئنان بنفسي.
أراد أن يتأكد بنفسة أنها ليست بمكانها بعد بث الحلقة أرسل منذر لها لكنه لم يجد أثر لها كإبرة اختفت بكومة قش مع ذلك لا ضيم من التأكد.
أراد أن يواجهها، ويسألها لما فعلت بعد كل ما فعلهُ من أجلها، وأجل ابنائها. لو كانت تريد أموالًا أكثر لما لم تخبره، وكان سيتكفل بها ويعطيها كما كل مره بكل رحبٍ وسعة.
بعد ساعة كان يعاود الرحيل، وبالفعل لم يجدوها لكن قبل أن يعاود ركوب سيارته وقعت عينيه على أحدهم يتقدم مهروًلا الى باب بيت المرأة، ولم تكن إلا تلك المذيعة إياها، وذلك الرجل مجددًا.
تنحى جانبًا بسيارته التي يقودها منذر يراقب بهدوء ما يحدث. كان البيت متطرفًا عن العمران بيت أشبه ببيوت الريف. اشتراه لها قبل عامين بِبلدتها التي كانت تسكن بها؛ ليتسنى لها العيش بكرامة بعدما كانت تسكن أحدى العشش كحال أهل البلدة هنا. وحال الكثير من العشوائيات بالبلد. كان حلمة الأكبر تحويل تلك المنطقة لمنطقة صناعية، ويتكفل ببيوت أهاليها كعمل خيري خاص به يدرس به منذ عامين منذ آتي لهنا أثناء زيارة أم سلوان بعد تلك الحادثة حتى يتسنى للجميع العمل بكرامة، وكان علي وشك البدء به لكن الآن عليه الانتظار حتى ينتهي من تلك الأزمة أيضًا .

لم يخطئ يومًا بقراءة الوجوه، ولم يخطيء احساسهِ بوجود شيء خطأ استمع لصوتها المختنق:
_ ليست هنا يارامي، هل اختفت؟! سأجن لقد كانت تُحدثنا كل ساعة قبل الحلقة تقريبًا. يا إلهي أم حدث لها شيئًا، هل آذوها؟
كاد يسب تفكيرها، وصوتها الجمهور التي لا تجهد نفسها وتكلفها عناء أن تخفضة. لكن حديثها دب الرعب بقلبه علي المرأة وأولادها، وهو يتساءل بقلق:
_ هل من الممكن أن يكون آذاها أحد بعينه هو متأكد منه؟!
ابتعد الرجل، وهو يدفعها بهدوء ليّرحلا.
_ ستظهر مؤكد لا تقلقي .
_ لكن ..!
_ لا لكن ربى هيا بنا نحن فعلنا كل ذلك من أجلها مؤكد خافت من آل الزيني؛ لتذهب للجحيم هيا بنا لتنهي تلك المسألة التي أوقعتنا بها.
_ لا مؤكد هم آذوها يا الهي، وماذا عن أطفالها؟ هل آذوهم أيضًا؟
رأي حيرتها جليًا علي وجهها قبل أن تجاور رامي صامته بعدما نهرها؛ لتكف عن تفكيرها فمؤكد لن يفعلوا بعد الفضيحة التي تسببوا بها لكن مؤكد اشتروا ثمن سكوتها.
_ ربى هم ليسوا بذلك الغباء ليضعوا أنفسهم بمكانة شك بعد اختفاء المرأة. مؤكد هذة المرأة هي من خافت من تلقاء نفسها. أو بمكان ما وستظهر بعد برهة أو..
_ أو ماذا؟
_ شربت شاي بالياسمين عجبها.
_ يا الهي لا مؤكد لا.
_ أنتِ طيبه جدًا ربى.
اختفت سيارتهم من أمامه قبل أن يطلب من منذر الرحيل أيضًا؛ ليسأله منذر :
_ ما رأيك بيجاد بما حدث؟
_ هناك شيء خطأ لكن ابقي رجالنا خلفهما.
_ حسنا لا تقلق لكن إن كانت أم سلوان ليست معهم، ولا يعرفون عنها شيء فأين رحلت؟
أجاب بيجاد بغموض:
_ ستظهر وسنعلن كل شيء.
*******

error: Content is protected !!
Scroll to Top