قصة شغف

رواية أمنيات اضاعها الهوى بقلمي اسما السيد الفصل الرابع عشر والخامس عشر

الفصل الرابع عشر:
بعد أربعة أشهر :
فاقت من شرودها على ما حدث قبل أربعة أشهر.
أربعة أشهر مرت، ولم تلمح طيفة إلا وتشاجرا معًا يحاصرها، وكأنها ملك يمينة حقًا، وكأن زواجها منه لم يكن لمهمةٍ ما، وَانتهت الآن.
ستجن! لقد سئمت الأمر كلة، ولم تعد تتحمل الأمر. لم تنسى ما فعلة معها، ولا أمر احتجازه لها لمدة أسبوعين بتلك المنطقة الجبلية داخل الوديان، ولا برودة التام في التعامل معها ناهيك عن أوامره التي لا تنتهي في فعل هذا وذاك، وعدم فعل هذا وذاك.
حتى اغضابها له كان يسيطر عليه ببرودة. كانت تري غضبة بعينيه لكنه كان باردًا جدًا معها لم تري صمته إلا برودًا.
لا تصدق تبرير الجميع له أنه متفهم يعي ما تمر به!
ورغم أنه أعادها لمنزلها كما أرادت حينما انتهى الأمر برمته، وهدأت السوشيال ميديا، وانتهى الأمر تمامًا كما لو كان لم يكن إلا أنها لم تسلم منه.
بعد أسبوعين من المكوث معه كان هذا الوقت كفيل بأن يتعلق طفلها به. حتى صار تعلقًا مرضيًا لم تعد تسيطر علية، وكلما حاولت بشتي الطرق ابعاده عنه يجد طفلها ألف طريقة ليَّتواصل معه. كيف يفكر هذا الرجل؟ وماذا يريد منها بعد؟
لم تسامح بعد لكنها لم تتحدث بما فات مازالت تتعَسس عن أمر تلك المرأة التي خدعتها، وأودت بها لطريق للان لم تجد مفر للخلاص منه حتى بعدما أخبرها رامي بأن آل الزيني سحبوا الشكوى، وهم فعلوا المثل، وعادت إعلاناتهم تغزو المحطة، وعاد فانزها يطالبها بالظهور لكنها لم تنسى لهم بعد اتهامها بما ليس بها. لم تصفو بعد، لقد صُدمت بالوجه الحقيقي لِلسوشيال ميديا حتى كرهته.
وتلك المرأة خصيصًا، وما فعلته معها تسببت بجرح لن يمحى أثرة بقلبها أبدًا .
فقط تريد أن تعلم لما فعلت ما فعلت وجهًا لوجة!
تأففت بصوت استمعت له هبة وأثير، وهي تغدو ذهابًا وإيابًا أمامهم كالتي تقف على صفيح ساخن لا تهدأ أبدًا، هتفت هبة باستنكار:
_ ربى ما بك لقد تعبنا من أجلك والله..اهدأي ألم يخبرك أنه مع بيجاد وعدي؟!
لا تعلم من أين ظهر لها هذا عدي هو الآخر . لم تكن تعلم أن لديه ابن. ها هي خدعة أخرى تتلقاها علي يديه، ستجن حتما إنه يتفنن بغضبها لكنها لما تهتم أن كان متزوج ولديه أبن أم لا؟!
بالنهاية هي حالة خيرية بالنسبة له، وستنتهي على كل حال .
لمحْتهما يضحكان بخبث عليها؛ لتهتف هبه خبث:
ـ زوجته ميتة، وهذا طفلة منها. لقد تعسَست عن الأمر لا تقلقي. فرامي بات يعرف عنه كل شيء منذ تلك الحادثه، وهما صديقان مقربان جدًا حتى أن رامي يشكر به وبأخلاقة.
اتسعت عيناها قبل أن تنفجر بهما:
_ لا تضحكا لقد سئمت منكما والله، وخصيصًا أنتِ أثير أنت من خدعتني لولاك ما خُطف عز، وما اضطررت لفعل ما لم احسب حسابًا له.
تأففت أثير إنه ذات الحوار اللعين مجددًا، وذاك اللوم لكنها لم تعد تكترث به ! نظرت لها باستنكار، وهتفت:
_ اطلبي الطلاق إذًا لما تصمتين؟
جذبت شعرها التي تعقده بقوة حتى استرسل صارخة:
_ لقد فعلت..فعلت والله، ولم يجيبني بإجابة تثلج قلبي، سأجن من أفعال هذا الرجل والله. الله يريحني من هذا العالم بأكمله، إنه بارد كالثلج.
ـ لا تدعي علي نفسك يا ابنتي الله.
هتفت هبة باستنكار ضاحك عليها؛ لتنظر لها بغيظ قبل أن ينفجروا بالضحك عليها؛ لتهمس أم رضوان بينما تمصمص شفتيها بصوت وصل لهما :
_ دلع نساء والله! ماذا يفعل الرجل بعد لقد اشترى باقي البيت بأكمله لها بعد إصرارهَا على ترك الفيلا التي اشتراها لها، ويدفع برجلين كلٌ منهما يشبة الفيل خلفها حمايةً لها ولطفلها ناهيك عن الحراسة المشددة للمبنى بأكمله نحن ننعس بأمان بِفضلة والله! يصرف أموالًا طائلة عليها، وعلى طفلها، ولا فائدة منها. ليست وجهة للنعمة هذه والله!
لو كنت مكانها لارتميت أسفل قدمية كل يوم اغسلها وادلكها بحب كما كانت تفعل أمينة لسِي السيد. ليته ينظر لي، وكنت تركت أبا الهم والغم زوجي، وقلت له مرحبا يا قلبي.
_ ماذا؟ماذا تقولين أنت؟ هل تتغزلين به يا امرأة ؟
هتفت ربى بصدمة بتلك الكلمات؛ لينفجر الجميع بالضحك؛ وتردف مجددًا قائلة:
_ ام رضوان هل أنتِ مدركة لما قولتِ؟
كان صوت همس ام رضوان عاليًا وصل إليهم؛ لينفجر كلًا من هبة وأثير بالضحك غير مكترثين لما قد تلقاه أم رضوان على يد ربى.
هتفت أم رضوان تلك المرة بلا تردد بينما تعتدل، وتلملم بواقي قشْر حبات البطاطس قائلة:
_ لا تزعلي مني يا أستاذة ربى فيما قلت وسأقول والله..أنه شاب مثل الورد خسارة بكِ لكن خدي مني هذا الكلام هذا الرجل لن يحررك للأسف أنه هائمًا بكِ .
صرَخت ربى:
_ اخرسي يا أم رضوان.
ـ لا لن أخرس ألم تتساءلي من قبل لما لا يتركك رغم أنك ِ تتفننين باغْضابه؟!
أجيبك أنا الرجل لا يتحمل كل هذا التحمل إلا إذا كان عاشقًا، والدكتور بيجاد يبدو هكذا اسمعي مني، ولا تدعيه يفلت من يدك .
اتسعت أعين ربى من حديثها بينما هبة وأثير مازالوا يضحكون عليها، أردفت أم رضوان بهيام:
ـ أنه يشبة الممثلين الأتراك. ياالهي أنه يشبة كمال بمسلسل الحب الأعمي! أتعلمين شيئًا وأنت تشبهين البطلة بأفعالها الكارثية لست وجها للخير مثلها.
صرخَت ربى عليها:
ـ يا إلهي اصمتي اصمتي..
نظرت لهبة وأثير، وهتفت:
_ أنا صاعدة أنتن .. أنتن ستدفعاني للجنون والله.
هتفت أم رضوان من خلفها:
ـ هكذا لقد تعديت العيل. لقد نصحتها وهي حرة!

الساعة الثانية عشر:
الجو بارد، والسماء صافية، كم تعشق هذا الجو رغم أنها تعاني طيلة فصل الشتاء من نزلات البرد بأنواعها لا تمتلك مناعة كافية؛ لِتصد هجمات البرد القارصة كما لم يعد لديها قوة لتواجه أحد.
تشعر بفقدان شغف لكل شيء، متعبة، مثقلة ، جل ما تريد هو أن تبتعد من هنا..تبتعد كثيرًا و إلي الأبد.
زفرت بتعب، وَعادت للغرفة تنظر لطفلها الذي لم يصمت لثانية منذ أتي من لقائه مع بيجاد و عدي لا تعرف ماذا تفعل بعد لتبعده عنه؟! كم صرخت به أن يبتعد عن طفلها لكنه لم يكترث لها.
آخر مواجهة بينهما كانت قبل أيام ليصْرخ عليها بطريقة صدمتها لأول مرة منذ عرفته قائلًا إنه حتي إن طلقها هو لن يفترق عن عزالدين لذا عليها أن تفصل بين علاقتها وعلاقته مع طفلها.
ستجن، قبل أن يغفو طفلها هتف بما جعلها في حيرة من أمرها، وهي أنه سيقضى الإجازة مع بيجاد وعدي بالبيت الجبلي.
الآن تتمالك أعصابها ألا تتهور، وتفعل ما قد يعود عليها بالسلب. يوافقة الجميع لكنها لم تعد مرتاحة لأي شيء، تشعر بالحصار منه لكل شيء بحياتها.
هبطت الدرج الفاصل بين شقتها وشقة رامي؛ لتفتح لها هبة بقلق:
_ ربي ما بكِ هل أنتِ بخير؟
_ أين رامي أريده هبه؟
استمع رامي لصوتها، وخرج مسرعًا:
_ ما بك ربى؟ هل حدث شيء لعز؟
_ لا عز بخير أريدك أن تتدخل لإنهاء ذلك الأمر بيني، وبين بيجاد الزيني. أريد الطلاق بأسرع وقت.
اتسعت أعين كلا من هبة ورامي؛ ليزفر رامي بالأخير قبل أن يجيبها بما صدمها:
_ لا ربى لن أفعل.
_ نعم، ولما؟!
صمت رامي من ثم هتف:
_ هذا الموضوع مرة أخرى يا ربى. إلي متى سأظل أخبرك أن عليكِ الصبر قليلًا بعد؟
_ إلى متى لقد سئمت أريد حريتي، كلما طال الوقت كلما تعلق عز به، وهذا سيصعب عليّ أمر الفراق.
زفر رامي، يعلم أنها لو صممت على شيء، ولم يفسر لها الأمر ستتسبب بكارثة:
_ اسمعيني ربى طالما اسمك على اسم بيجاد الزيني فأنتِ بأمان أنت ِ لا تعلمين شيء.
هدرت بجنون:
_ لا تجنني ما هذا الشيء الذي لا أعلمه أخبروني سأجن؟!
_ اهدئي ربى، واسمعيني لقد هرب فريد الزيني وللان لم يستطيعوا الوصول إلية كما أن هناك خطر منه مازال قائمًا عليكِ.
_ ياالهي! هرب! لكن أي خطر سيعود عليّ مجددًا الرجل كان يريدني، وها قد أصبحت زوجة لابنه حتى وإن تطلقنا الأمر بالنسبة له قد انتهى.
_ بالنسبة لك نعم انتهى لكن للأسف. لقد أخبرني معاذ أن فريد الزيني متورط بقضية اتجار بالبشر، وأعضاء بشرية، وبلاوي وقذارات اكتشفها آل الزينى أيضًا مؤخرًا وهم بنفسهم يتعاونون مع الشرطة لحل الأمر وانهاء مهزلة فريد الزيني لكن اياكِ أن يعرف احد بهذا!
_ وماذا يخصني أنا بكل ذلك؟
صمت قليلا قبل أن يردف بنبرة هادئة:
_ انت علي رأس القائمة ربى أنتِ كنتِ ومازلتِ دجاجته الرابحة التي يريدها.
_ أنا..لا ..لا أصدق..كيف…!
_ اهدئي ربى فريد الزيني كان خطته هي انت منذ البداية
_ لما ..لما..سأجن..!
_ لا اعلم لكن أظن ليس لأنه يريد عضوا من جسدك هو يريدك كغانية أو ..
صمت ولم يستطع أن يكمل ليهتف مجددًا:
_ الأمر معقد صدقيني .
_ أتريدني أن أأمن على نفسي مع ولد الشيطان ؟
هتفت باستنكار قبل أن يجيبها رامي بصدق:
_ انت لا تعلمين ماذا يفعل بيجاد؛ لحمايتك!
صدقيني ربى لن يحميك إلا ولد الشيطان كما تقولين، لا تظلمينه فهو مثلنا صُدم بوالدة.
خرجت بلا حديث لم تلتفت لنداءات هبه، وهي تكافح ألا تبكي حقًا قبل أن تدلف لشقتها، وتغلقها بقوة.
أرادت البكاء حقًا، والصراخ لكن وقعت عينيها على تلك الخادمة التي تلازمها منذ التصق اسمه باسمها تعلم أنها مؤكد تنقل له كل شيء عنها أولًا بأول.
دلفت لغرفتها تاركة غرفة طفلها التي كانت تغفو بها وسرعان ما انهارت تمامًا. صوت بكائها كان مرتفعًا. تلك المرة استمعت له الخادمة التي أسرعت تهاتف رب عملها.
********
الفصل الخامس عشر:
بيجاد:
لم أتغنى يومًا بعشق امرأة، ولم أكن كشباب جيلي، ولم التفت يومًا لفسوق الطبقة المخملية التي أنتمي إليها.
بعد أزمة زواجي الأول، وتهديدات الجد التي لا حصر لها كي أتزوج من نيرة ابنة عمي التي كنت علي دراية كاملة بفسوقها وأنها تتشابه كليًا مع نساء الطبقة المخملية بل تكاد تفوقهم نرجسية وشر اخترت شقيقتها الصغري”نوار” نكايةً بها.
بُعرفنا الثروة لا تخرج للغريب. الإرث يتناقله الأبناء من دمٍ واحد وَإبنة العم لا يأخذها إلا ولد عمها؛ لينتهي الأمر بالثروة فيما بينهم، ولا تخرج للغريب. أحكام قديمة وضعوها ونقلوها أبًا عن جد.
لم أكن أعلم أن “نوار” عاشقة لأخي من والدي الذي يأتي لهنا بزيارات فقط، إذ كان أخي غارقا هو الأخر بحياتة الخاصة هو لم يكترث لها كما لم أكترث أنا بنيرة ولا أكترث لها .
دائرة مفرغة من العلاقات السامة التي تحتم علينا.
لم يكن اختياري لها عن حب، إنما لعلمي أنها قد تكون زوجة صالحة. لطالما كانت منكمشة على نفسها هادئة حينما عَلمت بأمر عشقها لأخي الذي أخبرتني به نيرة واجهتها بالأمر فلم تنكر صارحتُ أخي الذي رفض رفضًا قاطعًا الارتباط بها.
أخي عاشق للحرية ويكره العائلة بأكملها. يعيش بِعالمة الخاص لا دخل له بعالمنا لطالما كان على خلاف واضح بالجد، فالجد لا يعترف إلا بصناعة الأدوية ناهيك عن رفضة له ناعتًا إياه بابن زنا لأن والدي أتي به من علاقة عابرة لليلة واحدة . والدة الفاسق ذو النزوات الكارثية. بايرام رفض رفضًا تامًا الدخول لكلية الصيدلة، وتحرر برحيله عن البلد.
بشماته أخبرت نيرة شقيقتها؛ لتنهار الأخيره، ويعلم الجد بالأمر، ويأمر الجد بزواجي من نوار التي استسلمت، ورضت بالأخير كما رضيت أنا. زواجنا كان اتفاق فيما بيننا لنتزوج، وننشئ عائلة. زواج مصلحة من درجة الأولى .
كان زواجًا روتينًا مفرغًا من العاطفة بعد أشهر حملت نوار ولكن كنت منغمسًا بالعمل. لم ألتفت لها إلا حينما لاحظت فيروز تبدل حالها، وهنا اكتشفنا الكارثه أن زوجتي متعاطية. متى وأين؟ ومن ساعدها؟ لا إجابة عندها
حاولتُ بكل السبل أن أعالجها وأرفع من روحها المعنوية. تركت كل العمل من أجلها، ومن أجل طفلي.
رفضت اخباري من فعل بها هذا، وسحبها لذلك الطريق لكن لم أفلح حتى وصل الأمر لانتْحارها مرة بعد مرة، وبكل مرة كان الله ينجي طفلهما.
الأمر بدأ يتسرب للإعلام، وكان علي دراية كاملة بأن نيره من تفعل بل شك بأنها السبب بتعاطيها لكن لا دليل عليها.
ضَيقت الخناق عليها حتى أصبحت بشهرها السابع، وهناك احتمالات قوية بولادة طفل معاق أو مشوة. لم تستطع أموال الكون علاجها. وضعتها تحت الإقامة الجبرية، ولم أفلح بحبسها. أتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي أودي بحياتها، ومعه فقدت قدمي حينما استطاعت نوار الخروج بحثًا عن السم، وهي بآخر أيام حملها، وهرولت للخارج بجنون، وأسرعت أنا خلفها حينها أتت سيارة مسرعة. كانت على وشك اصطدامها لأسرع لإنقاذها لكن للأسف لم أستطع رحلت هي واستطاعوا إنقاذ الطفل، وفقدت ساقي، وتشتت العائلة.
رحل الكثير من الآمال والامنيات معها، وما أن تعافيت هُزم الجد وانحنى، وبقيت أنا، وأحزاني، وطفلي الذي ولد من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي لم يتقبله أحد إلا أنا وشقيقتي وشقيقي الذي نذهب لنزوره كل عام رافضًا العودة.
يد حانية يعرف صاحبتها تمسكت بذراعه بينما يقف شاردًا بشرفة جناحه بعد يوم مميز كما أيامه التي تغير روتينها كليًّا منذ دلوفها هي وطفلها لحياتة .
لا ينكر أن هذا الطفل حرك به شيئًا كامنًا، وجعلة يقع بعشقة ليعترف صدقًا إن كان ابنه ملك قلبة كاملاً من قبل فأصبح الآن مناصفة بينهما .
كان يخشي الخطوة التي اتخذها اليوم بالقرب بينه وبين عدي لكن انسجامهم معا، وتقبلهم لبعضهم البعض جعله بقمة سعادته جل ما يخشاه هو خروج والده بكارثة حقيقية يدمر بها كل شيء. اختفائه يُقلقة لكن إلى متى سيختفي؟!
هتفت فيروز بمكر:
_ لقد أصبحت شاردًا طيلة الوقت لو لم تكن بيجاد الزيني العملي البحت الذي لا يعترف بالعشق والغزل لكنت اعتقدت أنك واقعًا بالعشق لا محال.
ضحك بخفوت، واستدار مواجهًا لها:
_ لقد تركت أمر العشق لكِ خذي نصيبي لكِ أنت وفيصل أنا لم أولد للعشق .
أجابته باستنكار:
_ ما هذا الكلام ! لقد خُلقنا لنحب لا لنعمل فقط. لن أقول للكرة لأني على علم أن قلبك لا بكرة أحد. أنت على رغم ما تفعله نيرة بك وبنا من مصائب، وكوارث أعلم أنك لا تكرهها.
كانت تتحدث بضِحك لِتغيظه؛ لِيلكذها هو بخفة :
_ لقد فقدت صوابك أقسم لك أنا لا أكره بِحياتي إلا نيره .
انفجروا بالضحك لتهتف هي:
_ ليست علي حالتها الطبيعية منذ سفر أبي لا أعلم أشعر وأن هناك ما تخشي أن يظهر للعلن أو ربما أبي وهي متورطان بمصيبة جديدة، وخائفون من معرفة الجد بها بعد كارثة ربى.
_ ربما توقعي كل شيء.
_ أتعلم الشخص الأسعد علي الإطلاق من رحيل أبي هو والدتك وجدي ليتك سمعته يصرخ صباحًا حينما سأل فادي عنه قائلًا:
_ لا أحد يسألني عنه ليته يبقى حيث هو للأبد حتى لا يتسبب بِفضيحتنا أكثر من ذلك.
_ لقد باتت عادة استراق السمع لديك سهلة ما شاء الله.
أمسك بأذنها قبل أن تهتف بضحك:
_ ياالهي ياأخي أنت تعرف أني اعشق الثرثرة و القيل والقال ثم أني لا أفعل شيء طيلة اليوم غير الإهتمام بعدي، والتسوق تعرف أن فيصل لا يتركني!
تركها، وهو يضحك عليها، ويتذكر أخرى وطفلها يعشقون الثرثرة، وأردف:
_ حسنًا عفوت عنك. ليصمت قليلًا قبل أن يردف :
_ سأهرب قريبًا لأسبوع أو أكثر مع عدي أخبرك حتى لا تقلقي أن استيقظتي يومًا، ولم تجدي أحد منا هنا.
_ إلى أين؟
_ سر يا صغيرتي سر..لا تكوني فضولية.
أمسك بأذنها، وهي تضحك بسعادة، وهي تتمنى لو تهرب معه؛ ليَّعدها أن رضى زوجها ذات يوم سيأخذها معه .
كانت نيرة تراقبه حينما خرج على عجلٍ بعدما ودع شقيقته متعللًا بوجود عمل مهم وهو يُهاتف أحدهم باهتمام لم يلتفت خلفه لِيتمالكها الغضب :
_ حسنا يا بيجاد لنرى ماذا تخفي بعد؟!
سَتجن، كل ما خططت له ذهب أدراج الرياح مع غياب عمها التي لم تستطع الوصول إليه للآن، ولاهو تواصل معها، ومع تضيق فيصل الخناق حولها، وسحب الجد منها إدارة شركتها لأدوات التجميل لم تعد تأخذ حريتها محاصرة طيلة اليوم بعد الفضيحة الأخيرة التي وصل صداها للجد . الجد الذي أصدر قرارات حاسمة بشأن السيدات، وأولها منعها من العمل والسهر والحفلات بعد الفضيحة التي حدثت لهم . ستجن وتتمنى فقط لو يظهر عمها .
********
بالبلدة
اتسعت أعين عمار بفرحة حقيقية حينما استطاعت زوجة وحيد أن تحادث ربى أخيرًا، وتطلب منها زيارتها؛ لتوافق ربى بطيب قلب حتى أنها رحبت بها.
أخبرتها أن الأطفال يستمعون كثيرًا عن الأهرامات، والقاهرة، ويتمنون زيارتها لكنها لا تعلم أين تمكث ليومين فقط. رحبت بها ربى بمنزلها، واعطتها عنوانها على أن تبقي الأمر سرًا بينهم، ولا تخبر أحد عن مكانها.
خطة محكمة من عمار قد اتفقوا عليها من قبل. لقد ظلت لأربعة أشهر لا تجيبها حتى يئسوا من ردها عليهم. أجابتها قبل أيام متعلله أن هاتفها القديم قد كسر وجلبت غيره، ولم تكن تعلم من يتصل؟.
لقد قرر وحيد مساعدته بعدما افضى بكل ما في قلبه لصديقة باكيًا. صديقة الذي أصر أن يساعده ما أن تأكد من زوجته صدق قصتة مع ربى.
لقد كانت زوجته علي دراية تامة بها بل معظم البلد على علم بقصتهم معًا.
_ يا الهي أخيرًا مازلت لا أصدق.
_ أخيرًا يا عمار سيجمعك الله بها لكن.
_ لكن ماذا ؟
_ أخشي أن يعرف أخيها بالأمر.
_ ومن سيخبره فقط أعطني العنوان التي أعطته لزوجتك و أخرجوا أنفسكم من الحكاية سأتعامل أنا.
_ لكن كن عاقلاً ولا تتهور، ولا تفكر أن الأمر بهذة السهولة. لا تنسى أنها هاربة منهم، وأنها لازالت زوجة لذلك القذر
_ لا تقلق.
رحَل وحيد ليجلس عمار شاردًا بلقائها.
_ اخيرا يا ربى.
********
لا أحد يلتفت لحالتها النفسية والروحية تشعر وكأنها ممزقة داخليًا بين الماضي التي انتزعت حقها منه عنوة، والحاضر التي أوقعت نفسها به بغباء. تريد الهرب من كل شيء لكن لا أحد يساعدها أبدًا .
لا أحد يعلم ما عانته إلا هي، وما دفعها للهرب من ذلك المكان المسمى قرية؟ وما هي إلا قرية كل من بها وعليها ظالمًا.
لا أحد يرى تلك الندوب التي تزين جسدها من كثرة العنف الزوجي التي تلَقته علي يد زوجها طيلة الشهر الوحيد من زواجهم. كان شخصًا مقززًا لأقصى درجة كم كانت تشعر بالرهبة منه!
لم تكره بحياتها غيره حتى بِلحظاتهما الحميمية كان عنيفًا مُقرفًا.
الآن، وبتلك اللحظة تتمنى لو كان لديها أحد تحكي له. الآن فقط تشعر، وكأنها بحاجة حقيقية لطبيبة نفسية. لطالما نصحتها أثير بذلك لكنها لم تكترث. أثير تري أشياء ظاهرية فقط، فماذا لو رأت ندوب جروحها، وآثار الجَلد التي تعبت من معالجة أثرة ؟!
لا أحد لها بعد الآن حتى شقيقتها ابتعدت عنها، ولا تلومها هي خير من يعلم أنها تكافح هي الأخرى في حياة فُرضت عليها. تكافح حياة قاسية بالقرية. نظرت للأعلى تناجي ربها كما اعتادت دائمًا. تدعو بتضرع وكسرة أن يرحمها الله. يخفف عنها، وأن لا يريها قيمة الأشياء بعد زوالها، وأن لا يجعل يديها ترتفع لغيرة بالرجاء.
فجأة تملك منها خوفًا لا إراديًا كما يحدث كلما انهارت.
انكمشت على نفسها بفراشها تحاول ألا تخرج صوت بكائها حتى لا يسمعه أحد ويشفق عليها. تحاول قدر المستطاع أن تكتم أنفاسها حتى لا يستمع أحد لها كما كانت من قبل. عقلها صَور لها أن والدتها هنا تقف بالزاوية تنظر لها بحدة ووعيد كما كانت دائمًا تفعل معها حينما كانت تفعل أي شيء يثير غضبها. كانت تأمرها بعدم إخراج صوتها بل تجبرها على كتم أنفاسها بقوة حتى لا يستمع لها والدها؛ فتفعل إلى أن ينتهي عقابها وتغفو .
هي الآن تراها بكل مكان بالغرفة. الآن تجردت من كل قوة اصطنعتها خلف مكانتها المزيفة التي أعطتها لها الشهرة والسوشيال ميديا.
بداخل منا الكثير من الأسرار، والمواقف المؤلمة لو اطلع حاقدُونا عليها؛ لأَشفقوا على جراحنا. لو يعلمون كم من الأميال سِرنا، وكم من الصعاب تخطينا لنخرج بتلك الهيئة المبهرة لما أقبلوا على أذيتنا! العجيب بالأمر أن كل جراح الكون تهون إلا الجراح التي طالتنا على أيدي من نحب.
شرد عقلها بالماضي، ولم تعد تشعر أن كانت بالماضي أم بالحاضر. عادت للطفلة التي تركتها خلفها بالقرية، ولتلك المواقف التي ظنت أنها استطاعت تخطيها. عادت لأيام مضت جل ما كانت تريد بها أن تغفو مطمئنة. تهيأ لها من بين عتمتها صورة والدها يرنو إليها؛ فهتفت بابتسامة:
_ بابا هل عدت أخيرًا.
_________

error: Content is protected !!
Scroll to Top